العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هما ركيزتان أساسيتان لتحقيق الاستقرار في سوريا بعد عقود من الحكم الاستبدادي والصراع الذي أدى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. تهدف العدالة الانتقالية إلى معالجة إرث العنف والانتهاكات من خلال محاسبة المسؤولين، وإنشاء لجان الحقيقة لتوثيق الجرائم، وتعويض الضحايا، وإصلاح المؤسسات لضمان تعزيز الحكم الرشيد. أما المصالحة الوطنية، فهي تركز على إعادة بناء العلاقات الاجتماعية والسياسية وتصحيح المظالم التاريخية، مما يهيئ بيئة للتعايش والعمل المشترك بين جميع السوريين.

في سوريا، تزداد أهمية العدالة الانتقالية والمصالحة بسبب تراكم الانتهاكات التي ارتكبها النظام الاستبدادي والجماعات المتطرفة، وما نتج عنها من تمزق في النسيج الاجتماعي. يقتضي ذلك تبني نهج شامل يجمع بين المحاسبة على الجرائم الماضية وإعادة بناء الثقة الاجتماعية، بحيث تشمل هذه العملية جهوداً للتوثيق والمحاسبة وإعادة الاعتبار للضحايا بالتوازي مع ترميم العلاقات المجتمعية.

يمكن لسوريا أن تستفيد من تجارب دول أخرى، مثل رواندا التي تجاوزت مآسي الإبادة الجماعية من خلال خطوات شاملة تضمنت المحاكمات والمصالحة المجتمعية. ومع ذلك، تحتاج سوريا إلى حلول فريدة تأخذ في الحسبان تعقيدات الصراع والخصوصيات السياسية والاجتماعية للسوريين.

يتطلب تحقيق العدالة والمصالحة في سوريا إرادة سياسية صادقة، ودعماً دولياً فعّالاً، ومشاركة مجتمعية واسعة. ولضمان نجاح هذه الجهود، يجب إنشاء إطار مؤسسي متخصص، مثل وزارة للعدالة والمصالحة، تكون مسؤولة عن وضع السياسات وتنفيذها، مع توفير الموارد اللازمة لضمان فعالية العمل.

ختاماً، العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ليستا مجرد أدوات لمعالجة الماضي، بل هما أساس لبناء مستقبل قائم على السلام والعدالة والمساواة. عبر تبني استراتيجية شاملة تجمع بين المحاسبة والمصالحة، يمكن للسوريين تجاوز مآسيهم والانتقال إلى مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار.